الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ***
وقال الشَّافعيُّ: يسن. لنا حديثان: 704- الأوَّل: قال أحمد: ثنا وكيع ثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال: صليت خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخلف أبي بكر وعمر وعثمان، وكانوا لا يجهرون بـ " بسم الله الرحمن الرحيم". أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في " الصَّحيحين"، ولفظ حديثهما: فلم أسمع أحداً منهم يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم. وفي لفظ: يفتتحون الصَّلاة بـ " الحمد لله رب العالمين". وقد روينا في لفظ متقدم: كانوا يفتتحون القراءة بـ " الحمد لله رب العالمين". 705- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عفان ثنا [وهيب] عن أبي مسعود الجريري سعيد بن إياس عن قيس بن عباية قال: حدَّثني ابن عبد الله بن المغفل قال: سمعني أبي وأنا أقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، فلما انصرف قال: يا بني، إياك والحدث في الإسلام، فإني صليت خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخلف أبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا لا يستفتحون القراءة بـ " بسم الله الرحمن الرحيم". ولم أر رجلاً قط أبغض إليه الحدث منه. ورواه التِّرمذيُّ فقال فيه: صليت مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحداً منهم يقولها. ثم إن مذهبنا مروي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وعمار ابن ياسر وعبد الله بن مغفل وابن الزُّبير وابن عباس. وقال به من كبراء التابعين ومن بعدهم: الحسن والشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم وقتادة وعمر بن عبد العزيز والأعمش والثوري ومالك وأبو حنيفة وأبو عبيد في خلق كثير. وإنما يروى خلاف هذا عن معاوية وعطاء وطاوس ومجاهد. وقد سلك أصحاب الشافعي في الاعتراض على أحاديثنا أربعة مسالك: المسلك الأول: الطعن، فتعرضوا لحديث أنس بشيئين: أحدهما: أنه نقل عنه ضد هذا، وأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجهر، على ما سنذكره في حجتهم. والثاني: أنه قد روي عنه إنكار هذا في الجملة: 706- قال أحمد: ثنا غسان بن مضر ثنا سعيد بن يزيد أبو مسلمة قال: سألت أنساً: أكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، أو الحمد لله رب العالمين؟ قال: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه- أو: ما سألني أحد قبلك-. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: إسناد صحيح. قالوا: وحديث ابن المغفل يرويه قيس بن عباية، وقد حكى الخطيب أن بعض الفقهاء قال: قيس غير ثابت الرواية. قال الخطيب: وابن عبد الله بن المغفل مجهول. المسلك الثاني: التأويل، قالوا: أما قوله: (فكانوا لا يجهرون) فليس في الصحيح، ويحتمل أنهم ما كانوا يجهرون بها كجهرهم ببقية السورة، وهذا لأن القارئ يبتدئ القراءة ضعيف الصوت، ثم يرفعه، يدل عليه قول أنس: (فلم أسمع أحداً منهم يجهر بها)، وهذا يدل على أنه سمعها منهم، وإذا سمع المأموم قراءة الإمام فهذا هو الجهر؛ ثم قوله: (لم أسمع) شهادة منه ومن ابن المغفل على النفي، فيحتمل أنهما لم يسمعا لبعدهما عن الإمام، وقد كان أنس صبياً حينئذ، وإنما كان يتقدم الأكابر؛ وقوله: (كانوا يفتتحون بالحمد) أي بالسورة. المسلك الثالث: المعارضة، وقد احتجوا بأحاديث رواها الدَّارَقُطْنِيُّ والخطيب، تلخيصها في تسعة، ونحن نسردها من غير إسناد لئلا يطول الكتاب، ونبين عللها، فكأننا بذكر العلل قد ذكرنا الأسانيد، على أننا قد ذكرنا في المسألة قبلها ما يصلح الاحتجاج به ههنا، وإنما نذكر الآن ما يختص الجهر: 707- الحديث الأوَّل: عن نعيم المجمر قال: صليت خلف أبي هريرة فقال- وفي لفظ: فقرأ-: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن، فلما سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ز: حديث نعيم المجمر: أخرجه النَّسائيُّ وأبو بكر بن خزيمة في " صحيحه "، وقال في " مصنفه في البسملة ": فأما الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصَّلاة فقد ثبت وصح عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسنادٍ ثابت متصل، لا شك ولا ارتياب عند أهل المعرفة بالأخبار في صحة سنده واتصاله. فذكره ثم قال: بان وثبت أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كان يجهر بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " في الصَّلاة. وأخرجه ابن حِبَّان في " صحيحه " والدَّارَقُطْنِيُّ وقال: هذا حديث صحيح، وكلهم ثقات. ورواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. واستدل به البيهقيُّ في كتاب " الخلافيات " ثم قال: رواة هذا الحديث كلهم ثقات، مجمعٌ على عدالتهم، محتج بهم في الصحيح. وقال في " السنن الكبير ": هو إسنادٌ صحيح وله شواهد. واعتمد عليه الخطيب في مسألة الجهر بالبسملة، وقال: هذا الحديث ثابت صحيح، لا يتوجه عليه تعليل في اتصال إسناده وثقة رجاله. وقد اعتمد أكثر من صنف في الجهر على هذا الحديث، وليس هو بصريح في الجهر، وقد أجبتُ عنه بعشرة أوجه ذكرناها في موضع آخر O. 708- الحديث الثاني: عن أبي هريرة أيضاً أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أم الناس جهر بـ " بسم الله الرحمن الرحيم". وفي لفظ: عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "علمني جبريل الصَّلاة". فقام وكبر لنا، ثم قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) فيما يجهر به في كل ركعة. 709- وقد رواه النعمان بن بشير عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أمّني جبريل عند البيت، فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم". 710- الحديث الثالث: عن علي وعمار أنهما صلَّيا خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجهر بـ " بسم الله الرحمن الرحيم". وفي لفظ: لم يزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر في السورتين بـ " بسم الله الرحمن الرحيم". 712- وقد رواه علي عليه السلام قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " في السورتين جميعاً. 713- الحديث الخامس: عن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ " بسم الله الرحمن الرحيم". وقد روى مثل هذا اللفظ: ابن عباس وعائشة. وفي لفظ عن أنس: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ " بسم الله الرحمن الرحيم". وروى مثله بريدة. وفي لفظ عن أنس: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر يجهرون بـ " بسم الله الرحمن الرحيم". 714- الحديث السادس: عن سمرة قال: كانت للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سكتتان: سكتةٌ إذا قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، وسكتةٌ إذا فرغ من القراءة. 715- الحديث السابع: عن الحكم بن عمير قال: صليت خلف النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجهر في الصَّلاة بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " في: صلاة الليل، وصلاة [الغداة]، وصلاة الجمعة. 716- الحديث الثامن: عن مجالد بن ثور وبشر بن معاوية أنهما وفدا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعلمهما فيما علمهما: الابتداء بـ " بسم الله الرحمن الرحيم"، والجهر بها في الصَّلاة. 717- الحديث التاسع: عن عبيد بن رفاعة أن معاوية قدم المدينة، فصلَّى بالناس صلاة، فجهر فيها بالقراءة، وأنه قرأ أم الكتاب ولم يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم)، ثم ركع حينئذ ولم يكبر، ثم قام في الثانية فلم يكبر، فلما صلَّى وسلم ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية: يا معاوية، أسرقت صلاتك أم نسيت؟ أين (بسم الله الرحمن الرحيم) حين افتتحت أم القرآن؟! وأين (الله أكبر) حين وضعت جبينك وحين قمت؟! فلما صلَّى بهم الصَّلاة الأخرى قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، وكبَّر حين سجد وحين قام. قالوا: وأما الصحابة فقد ذكرنا عن أنس روايته بالجهر عن أبي بكر وعمر. 718- وروى ابن المسيب أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا كانوا يجهرون بـ " بسم الله الرحمن الرحيم". 719- روى عطاء الخراساني قال: صلَّيت خلف علي بن أبي طالب وعدة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلهم يجهرون بـ " بسم الله الرحمن الرحيم". 720- وروى ضميرة عن علي قال: من لم يجهر في صلاته بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " فقد خدج صلاته. 721- وقال صالح بن نبهان: صلَّيت خلف أبي قتادة وأبي سعيد وأبي هريرة وابن عباس فكانوا يجهرون. وكذلك روي عن ابن عمر. المسلك الرابع: الترجيح، فقالوا: نرجح أحاديثنا على أحاديثكم من خمسة أوجه: أحدها: أن أخباركم رواها صحابيان، وأخبارنا رواها أربعة عشر صحابياً. والثاني: أن ما رواه الصحابيان يحتمل على ما سبق بيانه، وأخبارنا صريحة لا تحتمل. والثالث: أن أخباركم شهادة على نفي، وكيف يؤخذ حكم من عدم سماع؟! وأخبارنا شهادة على إثبات، والإثبات مقدم، كما قدمنا قول بلال: (دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البيت وصلَّى) على قول أسامة: (لم يصلِّ). والرابع: أن أخبارنا تقتضي الزيادة، والأخذ بالزائد أولى. والخامس: أنَّه يمكننا الجمع بين الأحاديث، فنقول: (كان يفتتح بالحمد) أي بالسُّورة، ولم يسمع منه الجهر من أنكره، وسمعه من رواه؛ وأنتم لا يمكنكم إثبات روايتنا إلا بإسقاط روايتكم. والجواب: أمَّا المسلك الأوَّل: فإنَّ التَّعرُض بالطَّعن لحديث أنس لا وجه له، لاتفاق الأئمة على صحَّته؛ ومعارضتُه بما لا يقارب سنده في الصِّحة قبيحٌ بمن يدَّعي علم النَّقل. وأمَّا حديث أبي مسلمة: فجوابه من ثلاثة أوجه: أحدها: أنَّ حديثنا في الصِّحاح بخلافه، فلا يقوى على المعارضة. والثَّاني: أنَّه يحتمل أن يكون أنس نسي في تلك الحال لكبره، وكم ممَّن حدَّث ونسي؟! وقد صرَّح أنس بمثل هذا، فسئل يومًا عن مسألة، فقال: عليكم بالحسن فسلوه، فإنَّه حفظ ونسينا. والثَّالث: أنَّه يحتمل أن يكون مراد السَّائل: أكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكرها في الصَّلاة، أو يتركها أصلاً؟ فلا يكون هذا سؤالاً عن الجهر بها. وأمَّا حديث ابن مغفَّل: فرجاله ثقاتٌ، وقيس بن عَبَاية قد ذكره البخاريُّ في " تاريخه " وقال أبو بكر الخطيب: لا أعلم أحدًا رماه ببدعةٍ في دينه ولا كذبٍ في روايته. وأما ابن عبد الله: فاسمه يزيد، وقد ذكره البخاريُّ في " تاريخه". وأما المسلك الثاني وقولهم: (ليس ذكر الجهر في الصحيح): قلنا: رجاله رجال الصحيح، فيلزم أن يحكم بصحته. وقولهم: (يحتمل أنهم ما كانوا يجهرون بها كالجهر بالسورة) وقد ذكرنا في حديث أنس: أنهم ما كانوا يذكرونها، وفي حديث عائشة: كان يفتتح القراءة بالحمد. وقولهم: (هو شهادة على النفي) قلنا: هو في معنى الإثبات، لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هاجر إلى المدينة ولأنس عشر سنين، ومات وله عشرون سنة، فكيف يتصور أن يصلِّي خلفه عشر سنين فلا يسمعه يوماً من الدهر يجهر؟ ثم قد روى وقوع هذا في زمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكيف وهو رجل في زمن أبي بكر وعمر؟ وكهل في زمن عثمان؟ مع تقدمه في زمانهم وروايته للحديث؟! وأما عبد الله بن المغفل: فإنه كان رجلاً في زمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان ممن بايع تحت الشجرة، وكان يومئذ يمد أغصانها يظلل بها على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو من البكائين، وبعثه عمر إلى أهل البصرة يفقههم. ويؤكد هذا أن عمر كان جهوري الصوت، فلو خفي من الكل لم يخف منه. وقولهم: (لولا سماعهم ما نقلوا الإخفات) قلنا: يحتمل علمهم بالإخفات أمرين: أحدهما: أن يكون الراوي قريباً من الإمام فيسمع ما يخافت به، وذلك لا يسمى جهراً. والثاني: أن يكونوا علموا بقول منفرد، وتعليم منفصل عن الصَّلاة، كما علموا الاستفتاح والتعوذ. وقولهم: (المراد بقوله: يفتتحون بالحمد. أي: بالسورة) قلنا: البسملة ليست من السورة على ما سبق بيانه. وأما المسلك الثالث: فجوابه أن جميع أحاديثكم ضعاف، وأثبتها حديث نعيم، ولا حجة فيه، لأنه حكى (أن أبا هريرة قرأها)، ولم يقل: (جهر بها)، فجائزٌ أن يكون سمعها في مخافتته لقربه منه. وأما الحديث الثاني: فاللفظ الأول منه قال فيه أبو أحمد بن عدي الحافظ: لا يعرف إلاَّ بأبي أويس المديني. قال يحيى بن معين: كان أبو أويس يسرق الحديث. وأما اللفظ الثاني: فيرويه خالد بن إلياس، وأجمعوا على ترك حديثه، ثم نحمله على أنه قرأها من غير جهر. وأما لفظ حديث النعمان: فيرويه [فطر] بن خليفة، وقال السعدي: هو غير ثقة. وأما الحديث الثالث: فيرويه إسماعيل بن أبان عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الطفيل. فأما إسماعيل: فقال أحمد: حدث بأحاديث موضوعة. وقال يحيى: هو كذَّابٌ. قال: ولا يكتب حديث عمرو بن شمر، ولا حديث جابر. وأمَّا أبو الطَُّفيل: فكان مغيرة يكره الرِّواية عنه. وأمَّا الرَّابع: فاللفظان عن ابن عباس يرويهما عمر بن حفص، وقد أجمعوا على ترك حديثه. ولفظ حديث عليٍّ: يرويه عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن عليٍّ، قال ابن عَدِيٍّ: ولا يتابع عليه. وأمَّا الخامس: فاللفظ الأوَّل: يرويه أحمد بن محمد اليماميُّ، قال ابن عَدِيٍّ: حدَّث بأحاديث مناكير عن الثِّقات، ونسخٍ عجائب. ولفظ حديث ابن عباس الموافق له قد رواه سعيد بن خثيم، قال ابن عدي: وأحاديثه ليست بالمستقيمة. ورواه شريك، وكان يحيى القطان لا يعبأ بشريك، وقال ابن المبارك: ليس حديثه بشيء. ورواه أيضاً الحسن بن عنبر الوشَّاء، قال ابن عدي: حدث بأحاديث أنكرت عليه. وأما لفظ حديث عائشة الموافق له: فيرويه العباس بن الفضل من حديث أبي الجوزاء، ويرويه الحكم بن عبد الله من حديث القاسم، كلاهما عنها. قال يحيى: العباس والحكم ليسا بثقة. وقال ابن عدي: أحاديث الحكم موضوعة، منها: أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجهر. وأما اللفظ الثاني عن أنس: فيرويه إسماعيل المكي، قال ابن المديني: لا يكتب حديثه. وأما لفظ حديث بريدة الموافق له: فيرويه عمرو بن شمر عن جابر، وقد ذكرنا قول يحيى فيهما. وأما اللفظ الثالث عن أنس: فيرويه الحجاج بن أرطاة، وقد ضعفه يحيى وغيره. وفي الجملة لا يثبت عن أنس شيء من هذا، بل قد صحت الأخبار بخلافه قولاً وفعلاً. وأما السادس: فذكر السكتة بعد البسملة غلطٌ، وقد رواه أحمد وأبو داود والدَّارَقُطْنِيُّ على الصحة: عن سمرة، قال: حفظت سكتتين من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصَّلاة: سكتةً إذا كبَّر الإمام، وسكتةً إذا فرغ من الفاتحة. وأما السابع: فرواه موسى بن أبي حبيب، وليس بمعروف. وأما الثامن: فيرويه صاعد بن طالب بن نواس يرفعه كل واحد عن أب إلى أب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكلهم مجاهيل. وأما التاسع: فيروه عبد الله بن عثمان بن خثيم، وقال يحيى: أحاديثه ليست بالقوية. وأما الرواية عن أبي بكر وعمر: فقد تكلمنا على رواية أنس عنهما. وأما رواية ابن المسيب: فيرويها عثمان بن عبد الرَّحمن عن الزُّهريِّ، وقد أجمعوا على تضعيف عثمان. ورواية عطاء: يرويها عنه ابنه يعقوب، وقد ضعَّفه أحمد ويحيى. وأمَّا رواية ضميرة: ففى طريقه حسين بن عبد الله بن ضميرة، وقد أجمعوا على تكذيبه. وأمَّا المروي عن ابن عمر: فهو من طريق أبي سعد البقَّال وعمر بن نافع، وقد ضعفهما يحيى، وقال النَّسائيُّ: ليسا بشيءٍ. وأمَّا المأثور عن ابن عباس: فمن طريق أبي سعد البقَّال أيضًا وشَريك، وقد بيَّنا القدح فيهما. وقول صالح مردودٌ، لأنَّ مالك قال: ليس بثقةٍ. وهذه الأحاديث في الجملة لا يحسن بمن له علمٌ بالنَّقل أن يعارض بها الأحاديث الصِّحاح، ولولا أن تَعْرض للمتفقه شبهةٌ عند سماعها فيظنها صحيحةً لكان الإضراب عن ذكرها أولى، ويكفي في هجرانها إعراض المصنِّفين المسانيد والسُّنن عن جمهورها، وقد ذكر الدَّارَقُطْنِيُّ منها طرفًا في " سننه " فبَّين ضعف بعضها وسكت عن بعضها. وقد حكى لنا مشايخنا أنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ لما ورد مصر سأله بعض أهلها عن تصنيف شيءٍ في الجهر، فصنَّف جزءًا، فأتاه بعض المالكيَّة فأقسم عليه أن يخبره بالصَّحيح من ذلك، فقال: كلُّ ما روي عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجهر فليس بصحيحٍ، فأمَّا عن الصَّحابة فمنه صحيحٌ، ومنه ضعيفٌ. ثُمَّ تجرَّد أبو بكر الخطيب لجمع أحاديث الجهر، فأزرى على علمه بتغطية ما ظنَّ أنَّه لا ينكشف، وقد حصرنا ما ذكره وبيَّنا وهنه ووهيه على قدر ما يحتمله التَّعليق، ولم نر أحدًا ممَّن صنَّف تعاليق الخلاف ذكر في تعليقه ما ذكرنا، ولعلَّ أكثرهم لا يهتدي إلى ما فعلنا، وإنَّما بسطنا الكلام بعض البسط لأنَّ هذه المسألة من أعلام المسائل، وهي شعار المذهب من الجانبين، ومبناها على النَّقل. ثُمَّ إنَّا بعد هذا نحمل جميع أحاديثهم على أحد أمرين: إمَّا أن يكون جهر بها للتَّعليم أو كما يتَّفق، كما روي أنَّه كان يصلِّي بهم الظُّهر فيسمعهم الآية والآيتين بعد الفاتحة أحيانًا. والثَّاني: أن يكون ذلك قبل الأمر بترك الجهر، فقد روى أبو داود بإسناده: 722- عن سعيد بن جُبير أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجهر بـ " بسم الله الرحمن الرَّحيم"، وكان مسيلمة يُدعى: (رحمان اليمامة)، فقال أهل مكَّة: إنَّما يدعو إله اليمامة. فأمر اللهُ رسولَه بإخفائها، فما جهر بها حتى مات. وهذا يدلُّ على نسخ الجهر. وأما مسلكهم الرابع فجوابه: أن الاعتماد على ما صح لا على ما كثرت رواته، وقد دفعنا وجه الاحتمال، وبينا أنها شهادة معناها الإثبات وإن ظهرت في صورة النفي، بخلاف حديث بلال، وإنما تقتضي أخبارهم الزيادة أن لو صحت، وهذا جواب قولهم: (يجمع بين الأحاديث). ز: 723- روى عبد الله بن عمرو بن حسان ثنا شريك عن سالم- هو الأفطس- عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ " بسم الله الرحمن الرحيم". رواه الحاكم في " المستدرك " عن عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم عن أحمد بن إسحاق بن صالح الوزان عن عبد الله بن عمرو بن حسان، وقال: صحيح وليس له علة. كذا قال، و عبد الله بن عمرو بن حسان: قال فيه عليُّ بن المدينيِّ: كان يضع الحديث. وكذبه الدَّارَقُطْنِيُّ، وقال ابن عَدِيٍّ: هو إلى الضعف أقرب. وقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ في " سننه " من طريق أبي الصلت الهروي عن عباد ابن العوام عن شريك، وقال فيه: يجهر في الصَّلاة. وأبو الصلت: متروك الحديث. 724- وقد رواه ابن راهويه في " مسنده " فقال: أنا يحيى بن آدم أنا شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " يمد بها صوته، وكان المشركون يهزأون. فذكر الحديث. 725- وقال الحاكم: ثنا الأصم [أنا] الربيع أنا الشَّافعيُّ أنا عبد المجيد عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم أن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره أن أنساً قال: صلَّى معاوية بالمدينة صلاة، فجهر فيها بالقراءة، فقرأ فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم) لأمِّ القرآن، ولم يقرأها للسورة التي بعدها، ولم يكبر حين يهوي، فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والأنصار من كل مكان: يا معاوية، أسرقت الصَّلاة أم نسيت؟ فلما صلَّى بعد ذلك قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) للسورة التي بعد أم القرآن، وكبر حين يهوي ساجدًا. قال الحاكم: على شرط البخاريِّ ومسلم. وليس كما قال. ثم قال: وهو علة لحديث قتادة عن أنس: صليت خلف النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر فلم يجهروا بـ " بسم الله الرحمن الرحيم"، فإن قتادة يدلس. ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ وقال فيه: فلم يقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) لأم القرآن، ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها، ولم يكبر حين يهوي. - وقال في آخره:- فلم يصلِّ بعد ذلك إلاَّ قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) لأم القرآن، وللسورة التي بعدها، وكبر حين يهوي ساجداً. ثم رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من طريق إسماعيل بن عياش، فقال: 726- حدثنا القاضي أبو طاهر محمد بن أحمد بن نصر وأحمد بن سندي ابن حسن قالا: ثنا جعفر بن محمد الفريابي ثنا أبو أيُّوب سليمان بن عبد الرَّحمن ثنا إسماعيل بن عياش ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جدِّه أن معاوية بن أبي سفيان قدم المدينة حاجاً أو معتمراً فصلَّى بالناس، فلم يقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) حين افتتح القرآن، وقرأ بأم القرآن، فلما قضى الصَّلاة أتاه المهاجرون والأنصار من ناحية المسجد، فقالوا: أتركت صلاتك يا معاوية؟ أنسيت (بسم الله الرحمن الرحيم)؟ قال: فلما صلَّى بهم الأخرى قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم). 727- وقال الحاكم: ثنا أبو علي الحافظ ثنا علي بن أحمد بن سليمان ابن داود المهري ثنا أصبغ بن الفرج ثنا حاتم بن إسماعيل عن شريك بن عبد الله عن أنس سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ " بسم الله الرحمن الرحيم". قال: رواته ثقات. وقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ بإسناده عن حاتم بن إسماعيل عن شريك بن عبد الله عن إسماعيل المكي عن قتادة عن أنس. وإسماعيل متروك. 728- قال الحاكم: وثنا عبد الرَّحمن بن حمدان الجلاب ثنا عثمان بن خرزاذ ثنا محمد بن أبي السري قال: صليت خلف المعتمر بن سليمان ما لا أحصي صلاة الصُّبح والمغرب، فكان يجهر بـ " بسم الله " قبل الفاتحة وبعدها، وسمعته يقول: ما آلوا أن أقتدي بصلاة أبي، وقال أبي: ما آلوا أن أقتدي بصلاة أنس ابن مالك، وقال أنس: ما آلوا أن أقتدي بصلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الحاكم: رواته ثقات. ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ قال: قرأت في أصل كتاب أبي بكر أحمد بن عمرو بن جابر الرملي بخط يده: ثنا عثمان بن خرزاذ. فذكره. وقد تقدم أن الطبراني رواه من حديث المعتمر عن أبيه عن الحسن عن أنس أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسر (بسم الله الرحمن الرحيم). 729- قال الحاكم: وحدَّثني مكي بن أحمد ثنا العباس بن عمران القاضي ثنا سيف بن عمرو ثنا محمد بن أبي السري ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا مالك عن حميد عن أنس قال: صليت خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخلف أبي بكر، وخلف عمر، وخلف عثمان، وخلف علي، فكلهم كانوا يجهرون بقراءة (بسم الله الرحمن الرحيم). قال الحاكم: إنما ذكرته شاهداً. كذا قال، وقد قيل: إن الحديث صحيح ثابت عن مالك، لكن سقط منه لفظة (لا). 730- قال الحاكم: وأنا علي بن محمد بن عقبة الشيباني ثنا إبراهيم بن أبي العنبس القاضي ثنا سعيد بن عثمان الخزاز ثنا عبد الرَّحمن بن سعد المؤذن ثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل عن علي وعمار أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجهر في المكتوبات: بـ " بسم الله الرحمن الرحيم"، ويقنت في الفجر، وكان يكبر من يوم عرفة صلاة الغداة، ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق. قال الحاكم: صحيح. وهو خبر منكر، لأن عبد الرَّحمن صاحب مناكير، وقد ضعفه يحيى بن معين. وأما سعيد: فقال بعضهم: إن كان الكريزي فهو ضعيف، وإلاَّ فهو مجهول. 731- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عمر بن الحسن بن علي الشيباني ثنا جعفر ابن محمد بن مروان ثنا أبو الطاهر أحمد بن عيسى ثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال: صليت خلف النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر، فكانوا يجهرون بـ " بسم الله الرحمن الرحيم". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: أبو طاهر أحمد بن عيسى كذّاب. 732- وقد روى الحاكم بإسناده عن يونس بن بكير ثنا مِسْعَر عن محمد ابن قيس عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بـ " بسم الله الرَّحمن الرَّحيم". ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ من رواية يونس بن بكير عن مِسْعَر، ثُمَّ قال: الصَّواب (أبو معشر). ومحمد بن قيس: روى له مسلمٌ في " صحيحه "، وقال ابن معين: ليس بشيءٍ. وأبو معشر: ضعَّفه غير واحدٍ. وقد رُوي في الجهر أحاديث ضعيفة غير هذه لا حاجة إلى ذكرها، وقد ذكرت هذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث الواردة في الجهر، وذكرت عللها والكلام عليها في كتابٍ مفردٍ، تتبَّعت فيه ما ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في مصنَّفه، وهو كتابٌ متعوبٌ عليه، فمن أحبَّ الوقوف عليه فليسارع إليه. وقد حصل للمؤلِّف فيما ذكره هنا من الكلام على تضعيف الأحاديث أوهامٌ عديدة، وتقصيٌر كثير، فإنَّه ضعَّف غير واحدٍ من الصَّادقين، وترك الكلام على غير واحدٍ من الضُّعفاء والمجهولين: كتضعيفه إسماعيل بن أبان، وظنِّه أنَّه (القنوي) الكذَّاب، وإنَّما هو (الورَّاق) الثِّقة. وكقدحه في فطر بن خليفة، وهو صدوقٌ، والحديث لم يثبت إليه، لجهالة من قبله. وكظنِّه أنَّ عطاء الخراسانيَّ هو والد يعقوب، وإنَّما هو والد عثمان، ويعقوب هو ابن عطاء بن أبي رباح؛ ولو تتبَّعنا ما قصَّر فيه أو وهم لطال الكلام، والله الموفِّق للصَّواب O.
وقال أبو حنيفة: لا يجهران بها. لنا حديثان: 733- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا بندار ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرَّحمن بن مهدي قالا: ثنا سفيان عن ابن كُهيل عن حُجْر بن عَنْبس عن وائل بن حجر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ: {غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فقال: "آمين". مدّ بها صوته. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا حديث صحيح. قالوا: قد رواه شعبة فقال فيه: وأخفى بها صوته. فالجواب: أن الدَّارَقُطْنِيَّ قال: يقال: إن شعبة وهم فيه، لأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة بن كهيل وغيرهما رووه عن سلمة فقالوا: ورفع صوته بآمين. وهو الصواب. ز: وروى هذا الحديث الإمام أحمد وأبو داود. وقال التِّرمذيُّ: حديث حسن. قال: وسمعت محمداً يقول: حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا، وأخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث. وقال: سألت أبا زرعة عن هذا الحديث، فقال: حديث سفيان في هذا أصح من حديث شعبة. 734- وقد روى البيهقيُّ في " سننه ": أنا أبو عبد الله الحافظ في " الفوائد الكبير " لأبي العباس، وفي " حديث شعبة ": ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن مرزوق البصري ثنا أبو الوليد الطَّيالسيُّ ثنا شعبة عن سلمة ابن كُهَيل قال: سمعت حُجْراً أبا عَنْبس يحدث عن وائل الحضرمي أنه صلَّى خلف النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال: آمين. رافعاً بها صوته. فهذه الرواية عن شعبة توافق رواية سفيان. وحُجْر بن العَنْبس: كنيته: (أبو العَنْبس)، ويقال: (أبو السكن)، وهو كوفي أدرك الجاهلية، قال يحيى بن معين: شيخ كوفي، ثقة مشهور. وقال أبو حاتم: كان شرب الدم في الجاهلية، وشهد مع علي الجمل وصفين. وقال أبو بكر الخطيب: كان ثقة، احتج به غير واحد من الأئمة O. 735- الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن إسماعيل الفارسي ثنا يحيى بن عثمان بن صالح ثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدَّثني عمرو بن الحارث قال: حدَّثني عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال: أخبرني الزُّهريُّ عن أبي سلمة وسعيد عن أبي هريرة قال: كان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته، وقال: "آمين". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هذا إسناد حسن. وقد روي هذا الحديث عن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلاَّ أن الراوي: بحر السقاء، وهو متروك، فلا يحتج به. ز: روى حديث أبي هريرة: الحاكم في " المستدرك " وقال: على شرطهما، ولم يخرجاه بهذا اللفظ. وليس كما قال. وعبد الله بن سالم هو: الأشعري، ثقة. وإسحاق بن إبراهيم بن زريق: قال أبو حاتم: شيخ، لا بأس به، ولكنهم يحسدونه، سمعت يحيى بن معين أثنى عليه خيراً. وقال النَّسائيُّ: ليس بثقة. وقال أبو داود: ليس بشيء. وكذّبه محدث حمص محمد بن عوف الطائي. 736- وقال أبوداود: ثنا نصر بن علي أنا صفوان بن عيسى عن بشر بن رافع عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا تلا: {غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال: "آمين". حتى يسمع من يليه من الصف الأول. ورواه ابن ماجه وزاد: فيرتج بها المسجد. وبشر بن رافع هو: الحارثي، أبو الأسباط النجراني، إمام أهل نجران ومفتيهم، ضعفه غير واحد، قال أحمد: ليس بشيء، ضعيف الحديث. وقال ابن معين: يحدث بمناكير. وقال مرة: ليس به بأس. وقال البخاري: لا يتابع في حديثه. وقال التِّرمذيُّ: يضعف في الحديث. وكذا ضعفه أبو حاتم والنَّسائيُّ والحاكم أبو أحمد وابن حِبَّان، وقال ابن عَدِيٍّ: لا بأس بأخباره، ولم أجد له حديثاً منكراً O.
وعنه: تجزئه آية، كقول أبي حنيفة. لنا حديثان: 737- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان ثنا الزُّهريُّ عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". أخرجاه في " الصَّحيحين". وأخرجه الدَّارَقُطْنِيُّ بلفظٍ آخر: "لا تجزئ صلاةٌ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". وقال: إسناده صحيحٌ. ورواه بلفظٍ آخرٍ: "لا تقرؤوا بشيءٍ من القرآن إذا جهرتُ إلا بأمِّ القرآن". وقال: كلُّ إسناده ثقات. ز: انفرد زياد بن أيُّوب دَلُّويَه بلفظ: "لا تجزئ"، ورواه جماعة: "لا صلاة لمن لم يقرأ"، وهو الصَّحيح، وكأن زيادًا رواه بالمعنى. وقد صحَّح الحديث أيضًا ابن القطَّان، وقال: زياد أحد الثِّقات O. 738- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا إسحاق ثنا مالك عن العلاء بن عبد الرَّحمن أنَّه سمع أبا السَّائب مولى هشام بن زهرة يقول: سمعتُ أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من صلَّى صلاةً لم يقرأ فيها بأمِّ القرآن فهي خداج، هي خداجٌ غير تمامٍ". فقلت: يا أبا هريرة، أنا أحيانًا أكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك يا فارسيّ. انفرد بإخراجه مسلمٌ. قالوا: نحمل قوله: (لا صلاة) على الكمال. واستدلُّوا: 739- بما روى أحمد: ثنا يحيى بن سعيد عن جعفر بن ميمون ثنا أبو عثمان النَّهديُّ عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره أن يخرج فينادي: "لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد". 740- وقال أبو بكر الخطيب: أنا القاضي أبو عبد الله الصَّيْمَريُّ ثنا عبد الله بن محمد بن عبد الله المعدِّل ثنا أحمد بن عبد الله بن سعيد ثنا إسحاق ابن إبراهيم بن حاتم الأنباريُّ ثنا أحمد بن عبد الله بن محمد الكوفيُّ ثنا نُعيم بن حمَّاد ثنا ابن المبارك أنا أبو حنيفة عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال: نادى منادي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صلاة إلا بقراءةٍ ولو بفاتحة الكتاب". 741- وقال ابن عَدِيٍّ: أنا عليُّ بن سعيد ثنا جبارة ثنا شبيب بن شيبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كلُّ صلاةٍ لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وآيتين فهي خداج". قلنا: قوله: (لا صلاة) نفيٌّ في نكرةٍ فهي تعمُّ. وأما حديث أبي هريرة: ففي طريقة الأول: جعفر بن ميمون قال يحيى بن معين: ليس بثقة. وطريقة الثاني: تفرد بروايته أحمد بن عبد الله، وهو مجهول الحال، ونعيم مجروح. وحديث عائشة: يعرف بشبيب بن شيبة، قال ابن عدي: هو زاد فيه " آيتين". قال يحيى بن معين: شبيب ليس بثقة. ز: حديث أبي هريرة: رواه أبو داود من رواية جعفر بن ميمون أيضاً، ورواه التِّرمذيُّ تعليقاً، والحاكم وقال: صحيح لا غبار عليه. وجعفر بن ميمون: قال فيه ابن معين- في رواية-: صالح الحديث. وقال أحمد: ليس بقوي في الحديث. وقال أبو حاتم: صالح. وقال النَّسائيُّ: ليس بالقوي. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: يعتبر به. ووثقه الحاكم، وقال ابن عَدِيٍّ: لم أر أحاديثه منكرة، وأرجو أنه لا بأس به، ويكتب حديثه في الضعفاء. وأما حديث ابن المبارك عن أبي حنيفة: فرواه الحارثي في " مسنده " عن محمد بن المنذر بن سعيد الهروي عن أحمد بن عبد الله بن محمد الكندي؛ وهو الكوفي، وهو اللجلاج، وهو كذَّابٌ، قال ابن عَدِيٍّ: حدث بأحاديث مناكير لأبي حنيفة، وهي بواطيل. 742- وروى أبو يعلى الموصلي: ثنا زهير ثنا عبد الصمد ثنا همام ثنا قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: أمرنا نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نقرأ فاتحة الكتاب وما تيسر. رواه الإمام أحمد عن عبد الصمد، ورواه أيضاً عن عفان عن همام وعنده: (بفاتحة الكتاب)، ورواه أبو داود عن أبي الوليد الطَّيالسيُّ عن همام، ورواه أبو حاتم البستي عن أبي يعلى الموصلي. وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: يرويه قتادة وأبو سفيان السعدي عن أبي نضرة مرفوعًا. ووقفه أبو مسلمة عن أبي نضرة، كذلك قال أصحاب شعبة عنه. ورواه زَنْبَقَة عن عثمان عن عمر عن شعبة عن أبي مسلمة مرفوعًا، ولا يصحُّ رفعه عن شعبة O. احتجُّوا: 743- بما روي في " الصَّحيحين " من حديث أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّم رجلاً الصَّلاة، فقال: "كبِّر، ثُمَّ اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن". وسيأتي بإسناده. 744- ورووا عن أبي سعيد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب أو غيرها". والجواب: أمَّا حديث الرَّجل الذي علَّمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فجوابه من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون ذلك قبل نزول الفاتحة وتعيينها. والثَّاني: أن يكون وقت الصَّلاة قد ضاق، وهو لا يحفظ الفاتحة، فجوَّز له قراءة ما يحفظ. والثَّالث: أن يريد ما تيسَّر ما بعد الفاتحة، وترك ذكر الفاتحة إتكالاّ على علمه بوجوبها. وأما حديث أبي سعيد: فلا يعرف أصلاً. ز: روى أبو محمد الحارثي في " مسند أبي حنيفة " حديث أبي سعيد هذا بطرق عن أبي حنيفة عن أبي سفيان السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد، ولفظه: "لا تجزئ صلاة إلاَّ بفاتحة الكتاب ومعها غيرها". 745- ثم قال: ثنا محمد بن المنذر بن سعيد الهروي ثنا أحمد بن عبد الله ابن محمد الكندي ثنا إبراهيم بن الجراح الكوفي- قاضي- ثنا أبو يوسف عن أبي حنيفة عن أبي سفيان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري. وذكر الحديث وفيه: "لا صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب أو غيرها". كذا انفرد به الكندي بهذا اللفظ، وقد تقدم قريباً أنه كذاب O.
وقال الشَّافعيُّ: تجب إذا أسر، فإن جهر فعلى قولين. لنا سبعة أحاديث: 746- الحديث الأول: قال أحمد: ثنا أسود بن عامر ثنا حسن بن صالح عن جابر عن أبي الزُّبير عن جابر عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "من كان له إمام فقراءته له قراءة". 747- طريق ثان: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن مخلد ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا إسحاق بن منصور عن الحسن بن صالح عن ليث بن أبي سليم وجابر عن أبي الزُّبير عن جابر أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من كان له إمام فقراءته له قراءة". 748- طريق ثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا علي بن عبد الله بن مبشر ثنا محمد بن حرب الواسطي ثنا إسحاق الأزرق عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة". 749- طريق رابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: و ثنا جعفر بن محمد بن نصير ثنا محمود بن محمد المروزي ثنا سهل بن العباس التِّرمذيُّ ثنا إسماعيل بن علية عن أيُّوب عن أبي الزُّبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من صلَّى خلف الإمام فقراءة الإمام له قراءة". 750- طريق خامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا بحر بن نصر ثنا يحيى بن سلام ثنا مالك بن أنس ثنا وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج، إلاَّ أن يكون وراء الإمام". 751- الحديث الثاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن مخلد ثنا محمد بن هشام البختري ثنا سليمان بن الفضل ثنا محمد بن الفضل بن عطية عن أبيه عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من كان له إمام، فقراءة الامام له قراءة". 752- الحديث الثالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: قرئ على أبي محمد بن صاعد- وأنا أسمع-: حدثكم علي بن حرب وأحمد بن يوسف التغلبي قالا: ثنا غسان بن الربيع عن قيس بن الربيع عن محمد بن سالم عن الشَّعبيِّ عن الحارث عن علي قال: قال رجل للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أقرأ خلف الإمام أو أنصت؟ قال: "بل أنصت، فإنه يكفيك". 753- الحديث الرابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن مخلد ثنا علي بن زكريا التمار ثنا أبو موسى الأنصاري ثنا عاصم بن عبد العزيز عن أبي سهيل عن عون عن ابن عباس عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تكفيك قراءة الإمام، خافت أو جاهر". 754- الحديث الخامس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا أحمد بن نصر ثنا يوسف بن موسى ثنا سلمة بن الفضل ثنا حجاج بن أرطاة عن قتادة عن زرارة ابن أوفى عن عمران بن حصين قال: كان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي بالناس، ورجل يقرأ خلفه، فلما فرغ قال: "من ذا الذي يخالجني سورتي؟! " فنهاهم عن القراءة خلف الإمام. 755- الحديث السَّادس: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن مخلد ثنا شعيب بن أيُّوب ثنا زيد بن الحبُاب ثنا معاوية بن صالح قال: حدَّثني أبو الزَّاهريَّة عن كثير بن مُرَّة عن أبي الدَّرداء قال: سُئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفي كلِّ صلاةٍ قراءة؟ قال: "نعم". فقال رجلٌ من الأنصار: وجبت هذه. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لي- وكنت أقرب القوم إليه-: "ما أرى الإمام إذا أمَّ القوم إلا قد كفاهم". 756- الحديث السَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا ابن مخلد ثنا الفضل بن العباس الرَّازيُّ ثنا محمد بن عبَّاد ثنا أبو يحيى التَّيميُّ عن [سهيل] بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من كان له إمام فقراءته له قراءة". قالوا: هذه الأحاديث كلُّها ضعاف: أمَّا حديث جابر: ففي طريقه الأوَّل: جابر الجُعفيُّ، قال يحيى بن معين: لا يكتب حديثه، ليس بشيءٍ. وقال أبو حنيفة: ما لقيت أكذب منه. وأمَّا الطَّريق الثَّاني: فهو فيه ومعه ليث، وقد ضعَّف ابن عيينة ليثًا، وقال أحمد: هو مضطرب الحديث. [وأما الطريق الثالث: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يسنده عن موسى غير أبي حنيفة والحسن بن عمارة، وهما ضعيفان]. وأما الطريق الرابع: ففيه سهل بن العباس، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو حديث منكر، وسهل متروك، ليس بثقة. وأما الطريق الخامس: ففيه يحيى بن سلام، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: هو ضعيف. وأما الحديث الثاني: ففيه محمد بن الفضل، قال أحمد: ليس بشيء، حديثه حديث أهل الكذب. وكذا قال يحيى: ليس بشيء، لا يكتب حديثه، كان كذَّاباً. وقال الفلاس والنَّسائيُّ: متروك الحديث. وأما الحديث الثالث: فقال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرد به غسان بن الربيع، وهو ضعيفٌ، وقيس ومحمد بن سالم: ضعيفان، والمرسل عن الشَّعبيِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا أصحُّ. وفي الحديث الرَّابع: عاصم، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس بالقويِّ، ورفعه وهمٌ. وقال ابن حِبَّان: كان عاصم يخطئ كثيرًا، فبطل الاحتجاج به إذا انفرد. وفي الحديث الخامس: حجَّاج بن أرطاة، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يروه هكذا إلا حجَّاج، ولا يحتجُّ به. وفي الحديث السَّادس: معاوية بن صالح، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: لا يحتجُّ به. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: والصَّواب: (فقال أبو الدَّرداء: ما أرى الإمام إلا قد كفاهم) كذلك رواه ابن وهب عن معاوية. وفي الحديث السَّابع: أبو يحيى التَّيميُّ، واسمه: إسماعيل بن إبراهيم، تفرَّد بهذا الحديث محمد بن عبَّاد عنه، وهما ضعيفان. والجواب: أمَّا جابر الجعفيُّ: فقد وثَّقه الثَّوريُّ وشعبة، وناهيك بهما، وقال أحمد: لم يُتكلَّم في جابر لحديثه، بل لرأيه. وأما ليث: فقال أحمد: حدث عنه الناس. [وأما أبو حنيفة: فغير متهم، إنما كان يقع في حديثه غلط وخطأ]. وأما سهل ومحمد بن الفضل وابن سالم: فلعمري إنهم ضعاف. وأما يحيى بن سلام وغسان بن الربيع: فلم نر أحداً ضعفهما قبل الدَّارَقُطْنِيّ، وأصحاب الحديث يضعفون بما ليس يضعف عند الفقهاء. وقوله (وهو مرسل): قلنا: المرسل عندنا حجة. وأما عاصم: فإن ضعفه محتمل، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ليس بالقوي. وكذلك حجاج ومعاوية بن صالح وأبو يحيى. ز: هذا الذي أجاب به المؤلف ليس بقوي، وهو يحتج بجابر الجعفي في موضع، ويضعفه في آخر، بل قد قال في موضع: (جابر الجعفي: اتفقوا على تكذيبه! وقد روى ابن ماجه حديث جابر من رواية جابر الجعفي أيضاً. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في حديث عبد الله بن شداد عن جابر: وروى هذا الحديث سفيان الثَّوري وشعبة وإسرائيل وأبو خالد الدالاني وأبو الأحوص وسفيان بن عيينة وجرير بن عبد الحميد وغيرهم عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد مرسلاً عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصواب. وقال في حديث يحيى بن سلام: الصواب موقوف، ثنا أبو بكر ثنا يونس ثنا ابن وهب أن مالكاً أخبره عن وهب بن كيسان عن جابر نحوه موقوفاً. وقال أحمد في حديث عون عن ابن عباس: هو حديث منكر. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في حديث قتادة عن زرارة عن عمران: خالف حجاج ابن أرطاة أصحاب قتادة، منهم: شعبة وسعيد وغيرهما، فلم يذكروا أنه نهاهم عن القراءة، وحجاج لا يحتج به. 757- وروي عن أبي الدرداء أن رجلاً قال: يا رسول الله، أفي كل صلاة قرآن؟ فقال: "نعم". فقال رجل من الأنصار: وجبت هذه. رواه الإمام أحمد- وهذا لفظه- وابن ماجه والنَّسائيُّ وقال: هذا خطأ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو من قول أبي الدرداء. وقد ذكره المؤلف من طريق الدَّارَقُطْنِيِّ أطول من هذا O. احتجَّ الخصم بأربعة أحاديث: 758- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ في كتاب " القراءة خلف الإمام ": ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الرَّبيع عن عبادة بن الصَّامت قال: صلَّى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاةً جهر فيها، فقرأ رجلٌ خلفه، فقال: "لا يقرأنَّ أحدكم والإمام يقرأ إلا بأمِّ القرآن". 759- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا محمد بن مخلد ثنا العباس ابن محمد الدُّوريُّ ثنا محمد بن عبد الواهب ثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من صلَّى صلاةً مع إمامٍ فجهر، فليقرأ بفاتحة الكتاب في بعض سكتاته، فإن لم يفعل فصلاته خداج غير تمام". 760- الحديث الثَّالث: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عثمان بن أحمد ثنا عيسى ابن عبد الله الطَّيالسيُّ ثنا يزيد بن عمر المدائنيُّ ثنا الرَّبيع بن بدر عن أيُّوب السَّختيانيِّ عن الأعرج عن أبي هريرة قال: صلَّى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أقبل علينا بوجهه، فقال: "أتقرأون خلف الإمام؟ " فقلنا: إنَّ فينا من يقرأ. قال: "فبفاتحة الكتاب". 761- الحديث الرَّابع: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا محمد بن إسماعيل الفارسيُّ ثنا أبو زرعة الدِّمشقيُّ ثنا يحيى بن يوسف الزَّميُّ ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن أيُّوب عن أبي قلابة عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى بأصحابه، فلما قضى صلاته أقبل عليهم، فقال: "أتقرأون في صلاتكم والإمام يقرأ؟ " فسكتوا، قالها ثلاثاً، فقال قائل أو قائلون: إنا لنفعل. فقال: "فلا تفعلوا، وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه". والجواب: وأما الحديث الأول: فقال أحمد: لم يرفعه إلاَّ ابن إسحاق. قلت: وقد قال مالك وهشام بن عروة وغيرهما: ابن إسحاق كذَّاب. وقال يحيى بن معين: ليس بحجة. وقال ابن المديني: يحدث عن المجهولين بأحاديث باطلة. فإن قالوا: فقد روي من غير طريق ابن إسحاق: 762- فقال محمود بن إسحاق: ثنا البخاري ثنا هشام ثنا صدقة بن خالد ثنا زيد بن واقد عن حرام بن حكيم ومكحول عن ابن ربيعة الأنصاري عن عبادة عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لا يقرأن أحدكم إذا جهرت بالقراءة إلاَّ بأم القرآن". قلنا: قال أبو زرعة الرَّازيُّ: زيد بن واقد ليس بشيء. على أنه قد وثقه الدَّارَقُطْنِيُّ. فإن قالوا: فقد رواه إسماعيل بن عيَّاش عن الأوزاعيِّ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبادة. قلنا: قال النَّسائيُّ: إسماعيل ضعيف. وقال ابن حِبَّان: لا يحتج به. ثم لا نعلم أن شعيباً لقي عبادة. فإن قالوا: فقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من طريق الوليد بن عتبة، ومن طريق بقية، ومن طريق إسحاق بن أبي فروة. قلنا: قال أبو حاتم الرَّازيُّ: الوليد مجهول. وأمَّا بقية: فمدلس، قال أبو مسهر: أحاديث بقية غير نقية، فكن منها على تقية. قال ابن حِبَّان: لا يحتج ببقية. وأما إسحاق: فقال ابن المدينيِّ: هو منكر الحديث. وقال يحيى: ليس بشيء، كذّاب. وقال أحمد: لا تحل الرواية عنه. ثم إن مكحولاً ضعيفٌ أيضاً. وأمَّا الحديث الثاني: ففيه محمد بن عبد الله بن عبيد، قال يحيى بن معين: هو ضعيف. وقال النَّسائيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ: متروك. وأما الثالث: ففيه الربيع بن بدر، قال النَّسائيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ: متروك أيضاً. وأما الرابع: [فمحمول] على أن [المأموم] يقرأ في نفسه في سكتات الإمام. ز: حديث عبادة: روي بطرق عن محمد بن إسحاق: 763- فروى الإمام أحمد: ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق حدَّثني مكحول عن محمود بن ربيع الأنصاري عن عبادة بن الصامت قال: صلَّى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبح، فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صلاته، أقبل علينا بوجهه، فقال: "إني لأراكم تقرؤون خلف إمامكم إذا جهر". قال: قلنا: أجل والله، يارسول الله، إنه لهذا. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فلا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها". ورواه الإمام أحمد أيضاً عن محمد بن سلمة [ويزيد عن ابن إسحاق، ورواه أبو داود عن عبد الله بن محمد النفيلي عن محمد بن سلمة] عن ابن إسحاق، ورواه التِّرمذيُّ عن هناد عن عبدة عن ابن إسحاق، وقال: حديث حسن. ورواه أبو يعلى الموصلي عن جعفر بن مهران السباك عن عبد الأعلى عن ابن إسحاق، ورواه الطبراني عن عبيد بن غنام عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن نمير عن ابن إسحاق، ورواه أبو حاتم البستيُّ عن ابن خزيمة عن الفضل بن يعقوب الجزري عن عبد الأعلى عن ابن إسحاق، ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ بطرق عن ابن إسحاق وقال: هذا إسناد حسن. وتضعيف المؤلف لابن إسحاق ليس بشيء، فإنه صدوق، وكان شعبة وسفيان يقولان: هو أمير المؤمنين في الحديث. وهو يحتج به في موضع و [يضعفه] في آخر! وكذلك تضعيفه لمكحول فإنه ثقة روى له مسلم في " صحيحه". وحديث زيد بن واقد: رواه الطبرانيُّ فقال: 764- ثنا أحمد بن المعلى ثنا هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد ثنا زيد بن واقد عن حرام بن حكيم ومكحول عن نافع بن محمود بن ربيعة الأنصاري عن عبادة بن الصَّامت قال: صلَّى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض الصَّلوات التي يجهر فيها بالقراءة، فقال: "ألا لا يجهر أحدٌ منكم إذا جهرت إلا بأمِّ القرآن". رواه أبو داود عن الرَّبيع بن سليمان عن عبد الله بن يوسف عن الهيثم بن حُميد عن زيد بن واقد عن مكحول عن نافع، ورواه النَّسائيُّ عن هشام بن عمَّار بإسناده ولم يذكر مكحولاً، ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ وقال: هذا إسنادٌ حسنٌ، ورجاله ثقاتٌ كلُّهم. وقال ابن حِبَّان في كتاب " التَّاريخ ": نافع بن محمود بن ربيعة، سمع عبادة بن الصَّامت، حديث القراءة خلف الإمام موقوفًا، كما سمعه محمود بن الرَّبيع الأنصاريُّ عن عبادة مرفوعًا، ومتناهما متباينان. وزيد بن واقد هو: القرشيُّ أبو عُمر- ويقال: أبو عَمرو- الشَّاميُّ الدِّمشقيُّ، وثَّقه الإمام أحمد ويحيى بن معين ودحيم والعجليُّ والدَّارَقُطْنِيُّ وابن حِبَّان، وروى له البخاريُّ في " صحيحه "، ووهم المؤلف في نقله عن أبي زرعة تضعيفه، فإنه إنما قال: ضعف زيد بن واقد أبا علي السمتي البصري نزيل الري. ووهم في قوله: (وثقه الدَّارَقُطْنِيُّ) فإنه إنما وثق الدمشقي، وأما البصري فإن أبا حاتم روى عنه ووثقه، وقال: كان شيخاً فانياً كبيراً. ووهم أيضاً في قوله: (قال أبو حاتم الرَّازيُّ: الوليد بن عتبة مجهول) فإن قول أبي حاتم إنما هو في الوليد بن عتبة الدمشقي، الذي روى عن معاوية ابن صالح، وروى عنه محمد بن عبد العزيز الرملي؛ وأما راوي حديث القراءة فإنه الوليد بن عتبة الدمشقي أبو العباس، ولم يذكر فيه أبو حاتم جرحاً، روى عن بقية والوليد بن مسلم وغيرهما O.
وقال أبو حنيفة: لا تسن القراءة خلف الإمام. 765- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا عبد الرَّحمن بن عمرو الدمشقي ثنا محمد بن المبارك الصوري ثنا صدقة بن خالد ثنا زيد بن واقد عن حرام بن حكيم ومكحول عن نافع بن محمود أنه سمع عبادة بن الصامت يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يقرأن أحد منكم شيئاً من القرآن إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: رجاله كلهم ثقات. ز: تقدم هذا الحديث والكلام [عليه] O. 766- قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وثنا عمر بن أحمد الجوهري ثنا أحمد بن سيار ثنا زكريا بن يحيى الوقار ثنا بشر بن بكر ثنا الأوزاعيُّ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أسررت بقراءتي فاقرؤوا معي، وإذا جهرت فلا يقرأن معي أحد". ز: قال العقيليُّ: زكريا بن يحيى، أبو يحيى، الوَقَار، مصريٌّ. 767- حدَّثنا زكريا بن يحيى الحلوانيُّ ثنا أبو يحيى الوَقَار ثنا بشر بن بكر عن الأوزاعيِّ عن يحيى بن أبي [كثير] اليماميِّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى يومًا صلاةً، فلمَّا قضاها قال: "هل قرأ أحدٌ منكم معي بشيءٍ من القرآن؟ " فقال رجلٌ من القوم: أنا، يا رسول الله. فقال: "إنِّي أقول ما لي أنازع القرآن؟ إذا أسررت بقراءتي فاقرؤوا معي، وإذا جهرت فلا يقرأنَّ معي أحدٌ". قال أبو يحيى- هو الحلواني-: فصرنا إلى أبي الطَّاهر أحمد بن عمرو بن السرح فذكرنا له هذا الحديث، فقال: هذا باطلٌ. ثُمَّ قام يجرُّ إزاره حتَّى دخل إلى بيته، فأخرج " كتاب بشر بن بكر " فإذا فيه: (حدَّثنا بشر بن بكر عن الأوزاعيِّ عن يحيى بن أبي كثير أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو عن الأوزاعيِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال أبو يحيى: أنا شككت- ) فقال: انظروا كيف وصله فجعله (عن أبي سلمة عن أبي هريرة) واغتاظ من ذلك O. احتجُّوا: بحديث عمران بن حُصين أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهاهم عن القراءة خلف الإمام، وقد سبق في المسألة قبلها. قلنا: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يقل كذا غير حجاج، وخالفه أصحاب قتادة- منهم شعبة وسعيد وغيرهما- فلم يذكروا أنه نهاهم عن القراءة، وحجاج لا يحتج به.
|